الراحـــــــــــــــــــــــــــــــه

وصلنا هنا لا نطيق المضى أمامنا ولا نستطيع الرجوع
فلم يـبق فينا لماضي هـــــوى ولم يـبق فينا لات نـزوع




********************




عندما سحب الليل أنفاسه بلونه الداكن كانوا مشكلين شبه دائرة فوق البساط والأصوت تعلو:
عندي خمسين
لا ماتنفع عندي مائه
وأنا مائه
هكذا كانت الأصوات تشدوا في دائرة (البلوت) الدائرة التي تبدأ يوميا مع الغروب وتحت أضواء المدينة في الشارع العام مع ضجيج أبواق السيارات و أصوات المارة ومع خيوط الفجر الأولى يودعن المكان وعندما يزورهم المساء يجدون أنفسهم مثبتين في أماكنهم بسلاسل العادة ,أما هو فكان يلعب الورقة مع الرفاق الذين تعود التردد عليهم بين حين وآخر فجأة بدأ قلبه يخفق بشدة وظهر أثر التعب على وجهه ترك الورقه من يده قائلا :أريد أن ارتاح قليلا.
أخذ مكانا في الزاوية متكئا على الحائط وأقدامه على التراب المبلل بالماء الذي يرش كل يوم قبل بدء المجلس حتى لا يرهقهم الغبار.
تكور بجسمه الحنطي النحيل في مكانه وأخذه الألم بعيدا بعيد إلى مدينة أخرى حيث الزوجة والأولاد القليل من الرفاق يعلم أنه مثلهم لديه أسرة.
سنين تمر وهو بينهم وحيد عاوده الألم فأغمض عينيه ثم سرح في الأيام التي كان يذهب فيها إلى بيته فتبادره أم العيال بالشتم والتأنيب.فيبتلع لسانه ويحدق الصغار في الجميع ويحتارون في الأمر.
يبقى ليومين أو ثلاثه ثم يرحل مع رحيل اليل والأطفال نيام.
"يسبح كالريح في الأحياء يلفظه تيه ويسخر من تصويبه الهدف"
ظل يعمل يوم ويعيش أيام دون عمل تكاثرت الأقوال حوله :
أكيد مسحور
لاوالله عاق لوالديه
زوجته تشرد بلد
هوا مافيه خير
هكذا كان الناس يتهامسون عنه على مذ ثلاثين سنه
تزوج بامرأه أخرى هي أيضا لم تستطع ربطه بالمكان وعندما يعود الأمر إلى الرفاق يقولون:
رجل رقيق القلب
ذو شهامة
ارتاح من الهم ،
مسكين"لم يبق في كوب الأسى شيئا حساه إلى القراره"
لكن زوجته لا ترى ذلك لم يطلقها ولم ينسى اولاده,إذا زاراهم أعطاهم كل مايملك وأمطرهم بأحلى الكلام وإذا رحل عنهم نسيهم حتى يعود.
التفت إليه احد الرفاق قائلا: نأخذك إلى المستشفى.
نظر إلى السماء المتوجه بالنجوم ولم يـرد.خــيم صمت رهــيب بين الرفاق في الشارع العام وتحت أضواء المدينة .
"عفوا قد تدري ولا علم لي...... كيف يعاد الموت أو يجتبى".